ما حكم نكاح الزاني بالعفيفة او العفيف بالزانية؟

الإسم : غفاري ضيوف الرحمن (2015.03.0366 )

ما حكم نكاح الزاني بالعفيفة او العفيف بالزانية؟


قال الله تعالى : الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور : 3]


أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالنِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ،

 فَقَالَ جَمَاعَةٌ : الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الزِّنَى .

وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ ، قَالُوا : فَلَا يَجُوزُ لِعَفِيفٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَانِيَةً كَعَكْسِهِ ، 
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ التَّزْوِيجُ لَا الْوَطْءُ .

وهكذا كان الحكم في ابتداء الإسلام، وعلى هذا الوجه: أن ذلك الحكم باق إلى الآن حتى يحرم على الزاني والزانية التزوج بالعفيفة والعفيف وبالعكس ويقال هذا مذهب أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعائشة، ثم في هؤلاء من يسوي بين الابتداء والدوام.
فيقول كما لا يحل للمؤمن أن يتزوج بالزانية فكذلك لا يحل له إذا زنت تحته أن يقيم عليها[1]
وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الزَّانِي لِعَفِيفَةٍ وَلَا عَكْسُهُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ ، وَاسْتَدَلَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِآيَاتٍ وَأَحَادِيثَ .

فَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهَا هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [24 \ 3] قَالُوا : الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : التَّزْوِيجُ ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي قَوْلِهِ : وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا : وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : ذَلِكَ رَاجِعَةٌ إِلَى تَزْوِيجِ الزَّانِي بِغَيْرِ الزَّانِيَةِ ، أَوِ الْمُشْرِكَةِ وَهُوَ نَصٌّ قُرْآنِيٌّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِي الْعَفِيفَةَ ، كَعَكْسِهِ.[2]

قوله تعالى: { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أي: تعاطيه والتزويج بالبغايا، أو تزويج العفائف بالفجار من الرجال.

وقال قتادة، ومقاتل بن حَيّان: حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا، وتَقَدّم في ذلك فقال: { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }[3]

وقال النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرمي، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن عمرو قال: كانت امرأة يقال لها: "أم مهزول" وكانت تسافح، فأراد رجل من أصحاب رسول  الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فأنزل الله عز وجل: { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مُسَدَّد أبو الحسن، حدثنا عبد الوارث، عن حبيب المعلم، حدثني عمرو بن شعيب، عن سعيد المَقْبُرِيّ، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله" .[4]
وهكذا أخرجه أبو داود في سننه، عن مسدد وأبي معمر -عبد الله بن عمرو -كلاهما، عن عبد الوارث، به [5]

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي «زَادِ الْمَعَادِ» مَا نَصُّهُ : وَأَمَّا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِتَحْرِيمِهِ فِي سُورَةِ «النُّورِ» وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ إِمَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَهُ سُبْحَانَهُ ، وَيَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا ، فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ ، وَإِنِ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ ، وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَانٍ ، ثُمَّ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ ، فَقَالَ : وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ لِلْآيَةِ بِقَوْلِهِ : وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ [24 \ 32] مِنْ أَضْعَفِ مَا يُقَالُ ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ حَمْلُ النِّكَاحِ عَلَى الزِّنَى.

والراجح والله أعلم : جواز تزوج الزانية مع الكراهة بعد استبراء رحمها، وأن تكون ممن يجوز نكاحها وهي المسلمة أو الكتابية.
وكذالك إذا وقع الرجل في الفاحشة ثم تاب توبة صادقة، فقد زال عنه وصف الزنا, ولا حرج على المرأة في الزواج منه، قال ابن قدامة - رحمه الله - في كلامه على نكاح المرأة الزانيةوهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له», وقوله: التوبة تمحو الحوبة.

أما إذا كان الرجل زانيًا - والعياذ بالله - غير تائب، فإنه لا يكون كفؤًا للمرأة العفيفة، قال ابن قدامة - رحمه الله -: وليس العبد كفئًا 
لحرة, ولا الفاجر كفئًا لعفيفة.

ولأن فِي نَفْسِ الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِ القول بأنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ عَقْدُ النِّكَاحِ ، وَتِلْكَ الْقَرِينَةُ هِيَ ذِكْرُ الْمُشْرِكِ وَالْمُشْرِكَةِ فِي الْآيَةِ ; لِأَنَّ الزَّانِيَ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ مُشْرِكَةٍ ، 
لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [2 \ 221] 
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :{ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [60 \ 10] ،
 وَقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [60 \ 10] ، 
وَ
كَذَلِكَ الزَّانِيَةُ الْمُسْلِمَةُ لَا يَحِلُّلَهَا نِكَاحُ الْمُشْرِكِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [2 \ 221] ،

 فَنِكَاحُ الْمُشْرِكَةِ وَالْمُشْرِكِ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ الزِّنَى ، لَا عَقْدُ النِّكَاحِ ; لِعَدَمِ مُلَاءَمَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ لِذِكْرِ الْمُشْرِكِ وَالْمُشْرِكَةِ . [6]

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا قَيْس، عن أبي حُصَين، عن سعيد بن جُبَيْرٍ، عن ابن عباس: { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قال: حَّرم الله الزنى على المؤمنين.[7]
وقَوْلُ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي كَلَامِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ : فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ يُقَالُ فِيهِ : نَعَمْ هُوَ مُشْرِكٌ ، وَلَكِنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الزَّانِيَةِ الْمُسْلِمَةِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِكَ جَوَازُ ذَلِكَ ، وَهُوَ لَيْسَ بِجَائِزٍ فَيَبْقَى إِشْكَالُ ذِكْرِ الْمُشْرِكِ وَالْمُشْرِكَةِ وَارِدًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الْآيَةِ التَّزْوِيجُ ، كَمَا تَرَى .

وَقَوْلُ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي كَلَامِهِ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ ، فَإِنَّ الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَيُقْتَصَرُ فِي إِبَاحَتِهَا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَمَا عَدَاهُ فَعَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ يُقَالُ فِيهِ : إِنَّ تَزْوِيجَ الزَّانِيَةِ وَرَدَتْ نُصُوصٌ عَامَّةٌ تَقْتَضِي جَوَازَهُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :{ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [4 \ 25] وَهُوَ شَامِلٌ بِعُمُومِهِ لِلزَّانِيَةِ وَالْعَفِيفَةِ وَالزَّانِي وَالْعَفِيفِ ، 

وَقَوْلِهِ : {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ }[24 \ 32] فَهُوَ أَيْضًا شَامِلٌ بِعُمُومِهِ لِجَمِيعِ مَنْ ذُكِرَ ، وَلِذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : إِنَّ آيَةَ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى الْآيَةَ ، نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً} الْآيَةَ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ سَعِيدٌ مِنْ نَسْخِهَا بِهَا .[8]

والغرض في الآية التنفير من الزنا وتقبيحه، ورجح الإمام الطبري هذا القول فقال: لو كان المراد بالآية النكاح لكان المعنى أن الزاني لا يجوز له أن يتزوج إلاّ الزانية أو المشركة، ومعلوم أنّ الزاني المسلم لا تحل له المشركة، لقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ} وكذلك الزانية لا يحل لها الزواج بالمشرك فتبين أن معنى الآية أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة.

والله تعالى أعلم بالصواب




[1] نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار
[2] ضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
[3] تفسير القرآن العظيم
[4] تفسير القرآن العظيم لابن كثير
[5] لابن كثير , تفسير القرآن العظيم
[6] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
[7]لابن كثير تفسير القرآن العظيم
[8] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

Tidak ada komentar:

Posting Komentar